روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | أسلمة العلمنة أم علمنة الإسلام؟!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > أسلمة العلمنة أم علمنة الإسلام؟!


  أسلمة العلمنة أم علمنة الإسلام؟!
     عدد مرات المشاهدة: 4541        عدد مرات الإرسال: 0

كانت العلمانية من أهمِّ نتائج الصراع بين الكنيسة والسلطة الزمنية في الغرب، الصراع الذي إنتهى بهزيمة الكنيسة، وقد كان سبب هزيمتها أنها لم تكن تحمل رسالة عيسى عليه السلام، وأن نشاطها وطقوسها وقواعدها كلها مستحدثة من الوثنية اليونانية والرومانية، وقد تدخلت الكنيسة في أمور لم تأتِ رسالة عيسى عليه السلام لها، تاريخ طويل من الصراع بين النصرانية التي إنتقلت إلى روما وبين الأباطرة الوثنيين، ولما حدث التعاون مع بعض الأباطرة كان تأثير الوثنية في النصرانية كبيراً جداً، ولم تعد النصرانية هي التي جاء بها عيسى عليه السلام.

أمَّا الإسلام فهو دين الله، ودين جميع الرسل، جاء في الرسالة الخاتمة وحياً على النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم منهجاً ربانياً متكاملاً للبشرية كلها حتى تقوم الساعة، منهجاً لجميع شؤون الحياة، يقوم كله على أساس الحقيقة الكبرى في الكون والحياة، الحقيقة التي هي أخطر قضية في حياة كل إنسان، الحقيقة التي ينبع منها الدين كله والمنهاج الرباني كله، المنهاج الذي يربط الدنيا بالآخرة، والمشهد بالغيب، وليكون النظامَ الشاملَ الكاملَ لجميع شؤون الحياة: شعائر ودعوةً وتربيةً وجهاداً وسياسةً وإقتصاداً وحكماً ودولةً وغير ذلك من ميادين الحياة الفردية أو حياة الجماعة والأمة المسلمة، أو حياة الشعوب والبشرية.

ومع ضعف المسلمين وغياب النهج والتخطيط للدعوة الإسلامية، ووقوع الصدام بين بعض الجماعات الإسلامية والدولة، خُيَّل إلى بعضهم أنَّ هذا الصراع يشبه صراع الكنيسة مع السلطة الزمنية، ولما هُزِمت بعض الحركات الإسلامية وفشلت في تحقيق أهدافها، أخذ البعض يدعو إلى أن تتحول الحركات الإسلامية إلى حركات علمانية تدعو إلى فصل الدين عن الدنيا، والسلطة والحكم عن الإسلام، إقتداء بأوروبا!

لقد تسللت المذاهب الأوروبية والغربية عامة تسلَّلاً خفيَّاً، وغزت غزواً علنيَّاً وأقبلت طوفاناً إعلاميَّاً، إستطاع ذلك كله أن يزعزع ثقة بعض المسلمين بدينهم وبشمول رسالته وإمتدادها. وزاد من هذه الهزيمة جهل ملايين المسلمين بدينهم، وجهلهم بالقرآن والسنة واللغة العربية، حتى غاب المصدر الحقيقي للإسلام، عن واقع المسلمين، وأصبح الإسلام في أحسن حالاته لدى العديد من المسلمين ثقافة عامة -ثقافة إسلامية- يلتقطها من هنا وهناك، من مصادر بشرية متضاربة مختلفة، فزادت الفرقة بين المسلمين، وتمزَّقوا شيعاً وأحزاباً.

وإنصرفت جهود كثيرة عن الدعوة إلى الله ورسوله، إلى الكتاب والسنة، إلى الإيمان والتوحيد، إنصرفت عن هذا وذاك إلى الدعوة إلى قائد أو زعيم، وقد تعدّدت القادة التي يدعو كل فريق إليها، فزاد التمزّق، وجابهت الأمة الأحداث الجسام بالمظاهرات التي تنتهي بعد حين، فلا يجدون سبيلاً لعمل آخر، ثم يُلقون المسؤولية على هذا وذاك، على غيرهم، على العدو، وعلى أنماط مختلفة، دون أن يقف أحدهم لينظر في نفسه ويرى أنه المسؤول الأول، وأن أعذاره مخالفة للكتاب والسنة.

إن الخلل الواضح في عمليّة البناء، أدّى بالكثيرين إلى أن يكون حرصهم الأول على قضايا الدنيا: السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأدبيّة والتربوية، معزولة عن التصور الحقّ للدار الآخرة، وعن الإيمان والتوحيد، إلا من حيث الشعارات وضجيجها، ثم أخذت النظرة تتركّز شيئاً فشيئاً على هذه القضايا الدنيّوية لتزداد عزلتها عن التصور الإيماني، ثمّ تفكُّ إرتباطها به تصوراً وفكراً، وحماسةً وعاطفةً، ونهجاً وممارسةً، ثم لتغيب الشعارات شيئاً فشيئاً، ثم يتجه النشاط كله إلى الساحة العلمانية بشعاراتها المختلفة.

فبعضهم حافظوا على الشعار العام، وتبنّوا الفكر العلماني حقيقة وممارسة! وآخرون أكّدوا شعار الإسلام والتزامهم به، إلا أنهم لم يتّبعوا نهجاً إيمانياً ربّانياً، بل إتبعوا في ميدان الممارسة ميدان الوطنية حيناً، وميدان الإقليمية حيناً آخر، وميدان القومية حيناً آخر، ثم ظهر من يجرؤ على تحريف الإسلام وتشريعه وآياته وأحاديثه، ليثبتوا بذلك باطلهم دون حياءٍ أو خشية من الله، من يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا قوى كبيرة ولا صغيرة، ولا علمانية الغرب ولا وثنيته!

لم يجد هؤلاء من المسلمين النصح والردعَ وكشفَ مغالطاتهم إلا من العدد القليل، وبقى عامة المسلمين مؤيّدين أو حائرين أو غافلين!

هل كنا خلال هذه المسيرة الطويلة ندعو حقّاً إلى صدق الإيمان وصفاء التوحيد، إلى الله ورسوله، إلى حقائق الإسلام، إلى الكتاب والسنّة؟!

ليت الدعاة يعودون إلى أنفسهم لينظروا فيما كانوا يدعون الناس إليه، وعلى ماذا كانوا يتعهّدونهم، وما هي النتائج التي وصلوا إليها؟!! فلنكن صادقين صريحين مع أنفسنا وأُمتنا، فإن الله يعلم ما تخفي الصدور جميعها!

انتظر المسلمون وانتظر الناس جميعاً كي يروا حضارة الإيمان وعظمة الإسلام تتمثل في الواقع البشري، وانتظروا طويلاً، وكلٌّ يقول أنا سأبني وأنهض وأقدّم للبشرية حضارة الإسلام وعظمته، ثم لم يجدوا إلا التلاوم، وكلٌّ يحاول أن يبرّئ ذمته ويتهم الآخرين، أو يتهم الأعداء الذين منعوه من أن يعمل! إنتظروا ونظروا فما وجدوا إلا الحضارة المادّية العلمانيّة بشعاراتها المختلفة: الإشتراكية، والشيوعية، والديمقراطية، والعلمانية، والحداثة، فهُرِع هذا إلى الإشتراكية، وذلك إلى الشيوعية، والآخر إلى الديمقراطية، وغاص الكثيرون في العلمانية والحداثة!

غاصوا وأرادوا، كي يبرِّئوا ذمتهم، أن يعلنوا الإشتراكية الإسلامية، والديمقراطية الإسلامية، والعلمانيّة الإسلامية، والحداثة الإسلامية. حاولوا أن يُلصقوا كلمة الإسلام في هذه المبادئ ليتستّروا وراءها، ولكنها أبتْ عليهم، وظلّت على أصلها ترفض الإنتماء إلى غيرها، وكأن هذه المبادئ تقول: إذا أنتم فشلتم أن تصلوا إلى حضارة الإيمان والتوحيد، وإلى الإنتماء العمليّ إليها، فلا تختفوا وراءَنا لتُخفوا عجزكم! إِذا فقدتم أنتم أصالتكم، فنحن سنظل على أصلنا علمانيين، حداثيين، اشتراكيين، ديمقراطيين شيوعيين!

إن هزيمتنا في نفوسنا كبيرةٌ جداً! كلُّ يوم يطلع علينا بمثل جديد من نماذج الهزيمة النفسية والتراجع، وتبدّل الشعارات!

وبعد إحتلال العراق بأيام خرجت نداءات صاخبة من الشيعة تندّد بأمريكا وتطالب بحكم الإسلام، وما هي إلا أيام حتى خرج زعيم منهم يقول: نوافق على فصل الدين عن الدولة! إذا فُصِل الدين عن الدولة فماذا يبقى في الدولة من الإسلام؟! شعار طُرِح قبل أكثر من قرنٍ ليضربوا به الإسلام، زخرفوه وزيّنوه بكل زينة العلمانية حتى أصبح رجال ينادون به في ديار الإسلام، من يدعو إلى ذلك لا يفقه الدين ولا يفقه الدولة، وإنما يردّد ما زيّنه له شياطين الإنس والجن.

وعندما خطب أحد الأئمة في مسجد أبي حنيفة في العراق، هزّ شعور الناس ضد أمريكا، ودفع مئات الألوف لتخرج منددة بأمريكا، وما هي إلا أَيام حتى عاد وصرّح مرّة أخرى أنه لابد من خروج أمريكا من العراق، ولكن ليس الآن، فلتبق الآن...! ثم جاء تصريح آخر منه يقول فيه: الكل متفقون على بناء العراق، وأن الأمريكان محتلون، وأننا فقدنا إرادتنا وقرارنا.... ولا أظن أنهم ينزلون إلى درك المستعمر!.

وداعية يقول: يجب أن نتعامل من خلال إسلام مُنفتح، وفيّ لمصادره الأولى، ويندمج مع النسيج الثقافي والديني الغربي. وآخر يقول: لا فرق بين العلمانية ومقصود الشريعة الإسلامية وأن نندمج مع النسيج الغربي الأوروبي، وآخر يقول: المواطنون من مسلمين وغير مسلمين نصارى ويهود وكافرين لهم نفس الحقوق كالمسلم سواء بسواء، ولهم نشر مبادئهم والدعوة إليها، والمشاركة في الحكم، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، كيف يكون ذلك؟! علينا الأركان الخمسة وليست عليهم، وقس على ذلك.

وداعية آخر يقول: إنه يؤمن بالعلمانية التي نادى بها مصطفى كمال أتاتورك ويؤيدها، ويقف على قبره ويضع إكليل زهور، فأغضب الله ولم ينلْ رضا العَلمانيين.

هُرِع دعاة كثيرون يسبِّحون بحمد الديمقراطية وآخرون يسبِّحون بحمد العلمانية وآخرون سبَّحوا قبلُ بحمد الاشتراكية، لا تستطيع الجماعات أو الحركات الإسلامية أن تدير حواراً بينها، ولكنها تدعو إلى الحوار مع النصارى واليهود والعلمانيين، بعض الحركات الإسلامية تقف في صف واحد مع من يحارب الإسلام، وتدير ظهرها للحركات الإسلامية.

لقد حاول بعض المسلمين الوصول إلى الحكم بوسائل مختلفة، سواء أعلنوا عن ذلك أم لم يعلنوه، ولقد كان من بين هذه الوسائل الوصول إلى الحكم عن طريق الديمقراطية، فكانت التجارب فشلاً ذريعاً وكشفاً جليَّاً عن أنّ الديمقراطية تعني في مفهوم أتباعها عدم السماح للإسلام أن يحكم مهما تكن الوسائل لتحقيق هذا المنع، ولو بتجاوز كل مبادئ الديمقراطية المعلنة، وكانت التجارب تكشف بشكل صريح أن الديمقراطية زخرف كاذب لو بحثت في الأرض كلها عن شعاراتها المعلنة فلن تجدها إلا في إطار الحريّة الفردية في الجنس والشهوات، وفي ضجيج الآراء الموجَّهة من قوى كثيرة، وفي تخدير الشعوب لتظلَّ لاهية أو لتُستَغلَّ من القوى الفاعلة القادرة على إستغلالها.

ولقد حاول آخرون من المسلمين أسلوب التحالف مع قوى غير مؤمنة بالإسلام، قوى تظهر العداء أو الودَّ حسب مقتضيات المصالح المادية، توَّهم هؤلاء أنهم قادرون على إستغلال هذه القوى المسيطرة، فكانت النتيجة أن هذه القوى هي التي إستغلَّت المسلمين ومزَّقت قواهم، وبلبلت أفكارهم، ونشرت الفتنة بينهم، وجرَّدتهم من أهمِّ مصادر قوتهم وعزلتهم عنها، هذه القوى تملك الوسائل للتأثير والتوجيه، تملك القوة المالية والعسكرية، وتملك الأجهزة كذلك، وهي جادة بالنسبة لمبادئها مستعدّة للبذل الواسع من أجل هذه المبادئ التي تقوم على المصالح المادية وعلاقاتها فحسب، وتقف الحركات الإسلامية مقابل ذلك ممزقة، ضعيفة إلا من ضجيج الحشود!

إنَّ بعض المسلمين اليوم جهر بالإعلان الصريح عن تبنِّي المبادئ غير الإسلامية، المبادئ التي كانوا يحاربونها قبل مدة، والتي لا يقبلها الإسلام أبداً، ولا يلتقي معها، وأخذ هؤلاء يبحثون بين الآيات والأحاديث عمَّا يمكن أن يؤيّد فتنتهم، فلم يجدوا إلا أن يلْوُوا الآيات والأحاديث ويخرجوا بتأويل فاسد، أو بشعارات مزخرفة مضللة ولكنها مغرية: الإنسانية، الرحمة، المساواة، العدالة، الحريّة، وغير ذلك من التعبيرات العائمة غير محددة المضمون. وغاب عنهم أن هذه كلها من الإسلام، إلا أن لها معاني محدّدة في الإسلام، تختلف عن معانيها، إن وجدت، في تلك المبادئ، وأن لها تطبيقاً غير تطبيقها، وأنها في الإسلام أصدق وأوفى، وأنها خارج الإسلام زخارف!

لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى الحقَّ جليَّاً حتى لا يبقى عذر لأحد في أن يضلَّ عن الحقِّ أو يتيه، ولنتدبَّر هذه الآية الكريمة التي تشقّ للمؤمنين درب الدعوة التي يريدها الله ورسوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ*وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:112-113].

ليس أمام المسلمين اليوم وغداً ومع الدهر كله إلا أن يثبتوا على الدين الحق، دون تحريف ولا إنحراف، ويمضوا على نهج وتخطيط نابعين من الإيمان الصادق ومن منهاج الله، مرتبطين به، ملبِّين لحاجة الواقع، ونحن مستبشرون بوعد الله ونصره لمن صدقه ونصره، أما أولئك الذي يدعون بتلك الدعوات، ويندفعون ذلك الإندفاع، فليكونوا عَلمانيين أو ماركسيين أو ديمقراطيين، أو على أيّ مذهب يشاؤون، على أن لا يقولوا هذا من الإسلام، الإسلام دين من عند الله، متكامل، متميّز، فلا يخلطوه بألوان الفتن والضلال.

إن محاولة نصر الإسلام بالتخفِّي في أثواب غير إسلامية، باب فتنة وضلال وخسارة كبيرة، إن هذا الانحراف سبيل تهديم وهلاك:  {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً*أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:103-105]

الكاتب: د. عدنان علي رضا النحوي.

المصدر: موقع لقاء المؤمنين.